الأمــثــــــال الــشعــبيـــــة
صفحة 1 من اصل 1
الأمــثــــــال الــشعــبيـــــة
الأمثال الشعبية
قال ارسطو" كأن الأمثال متخلفات حكم قديمة ادركها الخراب، فسلمت هي من بين تلك الحكم لمتانتها وجزالة الفاظها" .
وقال سرفنتيس " المثل زبدة اختبار طويل مفرغة في قالب صغير" ويحضرنا في هذا المقام أن نذكر جهابذة العلماء العرب الذين دونوا الأمثال العربية الفصحي، والعامية، أمثال ابن عبد ربه في كتابه العقد الفريد ، وأبو هلال العسكرى في كتابة " جمهرة الأمثال " والميداني في كتابة المسمي " مجمع الأمثال" حيث أنه جمع فيه مايربو علي ستة آلاف مثل، كما لا يفوتنا أن نتعرف علي كتاب المؤرخ الكبير نعوم شقير" أمثال العوام في مصر والسودان والشام " طبع في القاهرة سنة 1894 م.
هذا السفر القيم ضم باقة من الأمثال في السودان ومصر وبلاد الشام مرتبة علي حروف المعجم، وفهرسها بمعجم ضمنه الغريب من الألفاظ كما قام بشرحها. كان نعوم شقير يدون الأمثال كما يسمعها من أهلها، فجعل بابا للأمثال الشامية، وبابا للأمثال السودانية ، وآخر للأمثال المصرية، وقد لا حظ إن الأمثال عند العوام كثيرا ما ترجع الي حكاية ثم تصير مثلا سائرا " قالوا في حكاية المثل المعروف وهو" ابوك خلف لك ايه يا جحا قال جدى ومات " إن جحا اجتمع برجل علي مائدة، فاراد الرجل أن يشغله عن الطعام ليصيب الحصة الكبرى فقال له " أبوك خلف لك ايه يا جحا" فادرك جحا قصده واقتصر القصة، وقال " جدى ومات "
اقوال إن كتاب " أمثال العوام في مصر والسودان والشام " يعتبر ذخيرة أدبية قيمة ، فمؤلفه كان علي دراية تامة بعادات ولهجات البلاد التي كتب عنها، يقول نعوم شقير في مقدمة كتابة " كان الغرض من هذا الكتاب الاحاطة بكل ما تجب معرفته عن هذه البلدان الثلاثة، وفي التاريخ والجغرافية ، والأخلاق، والعادات ، والخرافات . واللغة والآداب،ونحو ذلك.
وكانت الأمثال من أهم ما تجب معرفته من آداب القوم، اذهي مراه تنعكس منها اخلاقهم، وعاداتهم ،وشاهد عدل علي حالة اختلاف طبقاتهم، ونحلهم، فجمعت من أمثالهم اكثر من عشرة الاف مثل انتقيت منها هذه المجموعة، وهي تشتمل علي 4494 مثلا ، منها 1425 مثلا شاميا و 1526 مثلا مصريا و 533 مثلا سودانيا، فجاءت اكبر مجموعة ألفت في الأمثال العامية الي هذا اليوم – يقصد في سنة 1894 م – وسميتها " أمثال العوام في مصر والسودان والشام " ولاحظ أيضا نعوم شقير تشابه الأمثال في البلاد العربية، وقد علل التشابه " بأن العادات التي نشأت منها الأمثال في جميع العصور والبلدان هي عادات واحدة ، وهي عادات عربية، كما أن الاتصال التجاري، والكتب والجرائد العربية، التي لم تزال متداولة في البلاد العربية، قد تأثر بها العامة وحرفوها علي اختلاف بيئاتهم الجغرافية والثقافية.
والشئ الذي نأخذه علي نعوم شقير هو ترفعه عن الأمثال الدائرة علي السنة الرعاع، وذلك لمسماجتها، وانحطاط الفاظها كما يعتقد، وإغفاله لهذا الجانب الشعبي الهام الذي يعكس تجارب الشعب وأمانيه في تلك الفترة ذلك لأن المثل الشعبي الذي ينبع من البيئة هو الذي يفيدنا في مجال دراستنا الفولكلوريه، ثم إن ترك هذا الجانب الشعبي من الأمثال لا يسلب الكتاب قيمته، فهو محاولة جادة ومفيدة للباحثين، بل انني لأعجب كيف لا يتعرض له علماء الفولكلور في مؤلفاتهم العصرية .
فالمثل الشعبي اذن هو خلاصة تجارب، وخبرات صبت في كلمات موجزة تؤدي في مناسبات تفتقر إلي مثل هذه الشعارات الحكيمة. والأمثال من صميم الأدب الشعبي، لأنها تتضمن معاني خلقية ، واجتماعية تكشف لنا عن سلوك الفرد في المجموعة التي ينتمي اليها، فنحن عندما نفشل في اقناع شخص اقناعا عاطفيا، فاننا غالبا ما نلجأ إلي المثل الشعبي حتي يعبر عن التجربة السابقة في الحال، وطالما تعارف الناس علي أوضاع اجتماعية، وسمات خلقية معينة، فإن المثل يؤثر فيهم تأثيرا بالغا.
والمثل الشعبي قد يستعمل لأغراض تعليمية، فتارة يكون علي شكل نصيحة، وتارة يكون نقدا لازعا، واداه للتشهير والسخرية تماما كما تعالج النكتة المصرية الأوضاع التي لا تتفق مع رغبة الجماعة ، وبعض الأمثال تتسم بروح الفكاهة فهي عبارة عن صورة كاريكاتورية.
ولدينا الآن نماذج من الأمثال الشعبية السودانية تمثل الأغراض التعليمية كمثل" راكوبة الكضب هديمة وبيت الصح يقيف لا ديمة "
درب السلامة للحول قريب " صنعة في اليد أمانا من الفقر"
والأمثال النقدية اللازعة كمثل " عينك في الفيل وتطعن في ضله ؟ ! "
يضرب للشخص الذي يجبن عن مجابهة الواقع ، فيتعلق باسباب واهية لائمت إلي الأصل بصلة، ومثل " غلفه وشايله موسي تطهر" يضرب للشخص الذي يحث الناس علي فعل شئ، بينما هو نفسه لا يقدم علي فعله. أما المثل الكاريكاتورى كمثل " الضايق عض الديب بخاف من مجر الحبل " يضرب للشخص الذي يلوذ بالفزع والفرار كلما ألمت به حادئة طفيفة .
من هذا نتبين أن المثل الشعبي أداة تعليمية لها خطرها في المجتمعات البشرية بقي لنا أن نتساءل كيف نفسر تشابه الأمثال، واتحادها في المعني في معظم البلاد العربية، بل اننا قد نجد أمثال ، من الهند والصين أو من البلاد الأوربية تتشابه في المعني؟ وللجواب علي ذلك نقول أن علماء الفلولكلور أرجعوا هذا التشابه أو الاتحاد في المعني؟ وللجواب على ذلك نقول أن علماء الفولكلور أرجعوا هذا التشابه أو الاتحاد فى المعنى إلي ناحيتين(1) الهجرات (2) وحدة التجربة.
الهجرات: مما لاشك فيه أن السودان دخلته هجرات عربية وغير عربية، من الجزيرة العربية ومصر، وبلاد المغرب، فلا يستبعد أن تكون تلك الهجرات قد حملت معها تراثها الشعبي الذي ضمنته المثل الشعبي، ولذلك تجد تشابها قويا بين المثل السوداني والمصري والسوري ، والعراقي .
وحدة التجربة: فسر علماء الفلولكلور ايضا هذا الاتحاد في الأمثال، أو التشابه بأن أي مجموعة من البشر لها تجاربها الخاصة، وخبراتها في الحياة فقد يحدث أن تتفق الشعوب في المعاني التي تضمنها الأمثال الشعبية . والسبب في ذلك هو وحدة التجربة الانسانية، وهذا لعمري أوضح تفسير يمكن أن نستفيد منه ليس في مجال الأدب الشعبي فحسب ، بل في المجال التاريخي أيضا، لأن فكرة التأثر غالبا ما تفقد عاداتنا وتقاليدنا الأصالة ، وتطبع تفكيرنا بالسطيحة والجمود.
فمثلا نجد الانسان العادي في الجزيرة العربية أكتوى بنار هذه التجربة التي تقول " من حفر حفرة لأخيه سقط فيها " والسوداني العادي أيضا عاش هذه التجربة في بيئته الخاصة، فعبر عنها بأسلوبه الخاص قائلا " التسوى كريت في القرض تلق في جلدها " وهكذا نجد أن المثل الشعبي السوداني عبارة عن سجل خالد للعادات والتقاليد والتجارب التي عاشها الانسان العادى في سالف عهده.
قال ارسطو" كأن الأمثال متخلفات حكم قديمة ادركها الخراب، فسلمت هي من بين تلك الحكم لمتانتها وجزالة الفاظها" .
وقال سرفنتيس " المثل زبدة اختبار طويل مفرغة في قالب صغير" ويحضرنا في هذا المقام أن نذكر جهابذة العلماء العرب الذين دونوا الأمثال العربية الفصحي، والعامية، أمثال ابن عبد ربه في كتابه العقد الفريد ، وأبو هلال العسكرى في كتابة " جمهرة الأمثال " والميداني في كتابة المسمي " مجمع الأمثال" حيث أنه جمع فيه مايربو علي ستة آلاف مثل، كما لا يفوتنا أن نتعرف علي كتاب المؤرخ الكبير نعوم شقير" أمثال العوام في مصر والسودان والشام " طبع في القاهرة سنة 1894 م.
هذا السفر القيم ضم باقة من الأمثال في السودان ومصر وبلاد الشام مرتبة علي حروف المعجم، وفهرسها بمعجم ضمنه الغريب من الألفاظ كما قام بشرحها. كان نعوم شقير يدون الأمثال كما يسمعها من أهلها، فجعل بابا للأمثال الشامية، وبابا للأمثال السودانية ، وآخر للأمثال المصرية، وقد لا حظ إن الأمثال عند العوام كثيرا ما ترجع الي حكاية ثم تصير مثلا سائرا " قالوا في حكاية المثل المعروف وهو" ابوك خلف لك ايه يا جحا قال جدى ومات " إن جحا اجتمع برجل علي مائدة، فاراد الرجل أن يشغله عن الطعام ليصيب الحصة الكبرى فقال له " أبوك خلف لك ايه يا جحا" فادرك جحا قصده واقتصر القصة، وقال " جدى ومات "
اقوال إن كتاب " أمثال العوام في مصر والسودان والشام " يعتبر ذخيرة أدبية قيمة ، فمؤلفه كان علي دراية تامة بعادات ولهجات البلاد التي كتب عنها، يقول نعوم شقير في مقدمة كتابة " كان الغرض من هذا الكتاب الاحاطة بكل ما تجب معرفته عن هذه البلدان الثلاثة، وفي التاريخ والجغرافية ، والأخلاق، والعادات ، والخرافات . واللغة والآداب،ونحو ذلك.
وكانت الأمثال من أهم ما تجب معرفته من آداب القوم، اذهي مراه تنعكس منها اخلاقهم، وعاداتهم ،وشاهد عدل علي حالة اختلاف طبقاتهم، ونحلهم، فجمعت من أمثالهم اكثر من عشرة الاف مثل انتقيت منها هذه المجموعة، وهي تشتمل علي 4494 مثلا ، منها 1425 مثلا شاميا و 1526 مثلا مصريا و 533 مثلا سودانيا، فجاءت اكبر مجموعة ألفت في الأمثال العامية الي هذا اليوم – يقصد في سنة 1894 م – وسميتها " أمثال العوام في مصر والسودان والشام " ولاحظ أيضا نعوم شقير تشابه الأمثال في البلاد العربية، وقد علل التشابه " بأن العادات التي نشأت منها الأمثال في جميع العصور والبلدان هي عادات واحدة ، وهي عادات عربية، كما أن الاتصال التجاري، والكتب والجرائد العربية، التي لم تزال متداولة في البلاد العربية، قد تأثر بها العامة وحرفوها علي اختلاف بيئاتهم الجغرافية والثقافية.
والشئ الذي نأخذه علي نعوم شقير هو ترفعه عن الأمثال الدائرة علي السنة الرعاع، وذلك لمسماجتها، وانحطاط الفاظها كما يعتقد، وإغفاله لهذا الجانب الشعبي الهام الذي يعكس تجارب الشعب وأمانيه في تلك الفترة ذلك لأن المثل الشعبي الذي ينبع من البيئة هو الذي يفيدنا في مجال دراستنا الفولكلوريه، ثم إن ترك هذا الجانب الشعبي من الأمثال لا يسلب الكتاب قيمته، فهو محاولة جادة ومفيدة للباحثين، بل انني لأعجب كيف لا يتعرض له علماء الفولكلور في مؤلفاتهم العصرية .
فالمثل الشعبي اذن هو خلاصة تجارب، وخبرات صبت في كلمات موجزة تؤدي في مناسبات تفتقر إلي مثل هذه الشعارات الحكيمة. والأمثال من صميم الأدب الشعبي، لأنها تتضمن معاني خلقية ، واجتماعية تكشف لنا عن سلوك الفرد في المجموعة التي ينتمي اليها، فنحن عندما نفشل في اقناع شخص اقناعا عاطفيا، فاننا غالبا ما نلجأ إلي المثل الشعبي حتي يعبر عن التجربة السابقة في الحال، وطالما تعارف الناس علي أوضاع اجتماعية، وسمات خلقية معينة، فإن المثل يؤثر فيهم تأثيرا بالغا.
والمثل الشعبي قد يستعمل لأغراض تعليمية، فتارة يكون علي شكل نصيحة، وتارة يكون نقدا لازعا، واداه للتشهير والسخرية تماما كما تعالج النكتة المصرية الأوضاع التي لا تتفق مع رغبة الجماعة ، وبعض الأمثال تتسم بروح الفكاهة فهي عبارة عن صورة كاريكاتورية.
ولدينا الآن نماذج من الأمثال الشعبية السودانية تمثل الأغراض التعليمية كمثل" راكوبة الكضب هديمة وبيت الصح يقيف لا ديمة "
درب السلامة للحول قريب " صنعة في اليد أمانا من الفقر"
والأمثال النقدية اللازعة كمثل " عينك في الفيل وتطعن في ضله ؟ ! "
يضرب للشخص الذي يجبن عن مجابهة الواقع ، فيتعلق باسباب واهية لائمت إلي الأصل بصلة، ومثل " غلفه وشايله موسي تطهر" يضرب للشخص الذي يحث الناس علي فعل شئ، بينما هو نفسه لا يقدم علي فعله. أما المثل الكاريكاتورى كمثل " الضايق عض الديب بخاف من مجر الحبل " يضرب للشخص الذي يلوذ بالفزع والفرار كلما ألمت به حادئة طفيفة .
من هذا نتبين أن المثل الشعبي أداة تعليمية لها خطرها في المجتمعات البشرية بقي لنا أن نتساءل كيف نفسر تشابه الأمثال، واتحادها في المعني في معظم البلاد العربية، بل اننا قد نجد أمثال ، من الهند والصين أو من البلاد الأوربية تتشابه في المعني؟ وللجواب علي ذلك نقول أن علماء الفلولكلور أرجعوا هذا التشابه أو الاتحاد في المعني؟ وللجواب على ذلك نقول أن علماء الفولكلور أرجعوا هذا التشابه أو الاتحاد فى المعنى إلي ناحيتين(1) الهجرات (2) وحدة التجربة.
الهجرات: مما لاشك فيه أن السودان دخلته هجرات عربية وغير عربية، من الجزيرة العربية ومصر، وبلاد المغرب، فلا يستبعد أن تكون تلك الهجرات قد حملت معها تراثها الشعبي الذي ضمنته المثل الشعبي، ولذلك تجد تشابها قويا بين المثل السوداني والمصري والسوري ، والعراقي .
وحدة التجربة: فسر علماء الفلولكلور ايضا هذا الاتحاد في الأمثال، أو التشابه بأن أي مجموعة من البشر لها تجاربها الخاصة، وخبراتها في الحياة فقد يحدث أن تتفق الشعوب في المعاني التي تضمنها الأمثال الشعبية . والسبب في ذلك هو وحدة التجربة الانسانية، وهذا لعمري أوضح تفسير يمكن أن نستفيد منه ليس في مجال الأدب الشعبي فحسب ، بل في المجال التاريخي أيضا، لأن فكرة التأثر غالبا ما تفقد عاداتنا وتقاليدنا الأصالة ، وتطبع تفكيرنا بالسطيحة والجمود.
فمثلا نجد الانسان العادي في الجزيرة العربية أكتوى بنار هذه التجربة التي تقول " من حفر حفرة لأخيه سقط فيها " والسوداني العادي أيضا عاش هذه التجربة في بيئته الخاصة، فعبر عنها بأسلوبه الخاص قائلا " التسوى كريت في القرض تلق في جلدها " وهكذا نجد أن المثل الشعبي السوداني عبارة عن سجل خالد للعادات والتقاليد والتجارب التي عاشها الانسان العادى في سالف عهده.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى